الصدقة في رمضان[/size]
لصدقة تطفئ الخطيئة كما يُطفئ الماء النار ، والصدقة تُطفئ غضب الرب ، والصدقة تظلل صاحبها يوم القيامة ....
وغير ذلك من الفضائل العظيمة للمتصدق ، ومما لا شك فيه أن رمضان هو شهر الجود والصدقة ولعلنا أن نتناول هذا الموضوع من ثلاث زوايا :
الأولى : الجود في رمضان ... الثانية : مراتب الجود العشر ... الثالثة : تأخير الزكاة إلى رمضان ..
1. الجود في رمضان ..
شهر رمضان شهر الخير والطاعة ، وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلقاً وأكثرهم طاعة ، وكان يزيد في رمضان أكثر من غيره .
قال ابن القيم :
وكان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وأجود ما يكون في رمضان ، يُكثر فيه مِن الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف . " زاد المعاد " ( 2 / 32 ) .
ومن أكثر ما لفت أنظار الصحابة رضي الله عنهم جودَه صلى الله عليه وسلم في رمضان ، والجود هو إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي ، وليس كالسرَف والذي هو مجاوزة الحد وقد لا يصادف موضعه .
قال ابن القيم :
والفرق بين الجود والسرف أن الجواد حكيم يضع العطاء مواضعه ، والمسرف مبذر وقد يصادف عطاؤه موضعه وكثيرا لا يصادفه . " الروح " ( ص 235 ) .
عن أنس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسنَ الناس وأجودَ الناس وأشجعَ الناس " .
رواه البخاري ( 5686 ) ومسلم ( 2307 ) .
وعن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة .رواه البخاري ( 6 ) ومسلم ( 2308 ) .
وفي رواية للبخاري ( 4711 ) :
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس بالخير ، وأجود ما يكون في شهر رمضان ؛ لأن جبريل كان يلقاه في كل ليلة في شهر رمضان " .
قال الحافظ ابن حجر :
فبمجموع ما ذكر من الوقت ( وهو رمضان ) والمنزول به ( وهو القرآن ) والنازل ( وهو جبريل ) والمذاكرة حصل المزيد في الجود ...
ومعنى " المرسلة " أي : المطلقة ، يعني : أنه في الإسراع بالجود أسرع من الريح , وعبَّر بالمرسلة إشارة إلى دوام هبوبها بالرحمة , وإلى عموم النفع بجوده كما تعم الريح المرسلة جميع ما تهب عليه .
" فتح الباري " ( 1 / 31 ) .
وقال :
ولأن الريح قد تسكن ، وفيه الاحتراس لأن الريح منها العقيم الضارة ومنها المبشرة بالخير فوصفها بالمرسلة ليعين الثانية , وأشار إلى قوله تعالى { وهو الذي يرسل الرياح بشراً } ، { والله الذي أرسل الرياح } ونحو ذلك , فالريح المرسلة تستمر مدة إرسالها , وكذا كان عمله صلى الله عليه وسلم في رمضان ديمة لا ينقطع .
" فتح الباري " ( 9 / 45 ) .
2. صُور الجود
قال ابن القيم : والجود عشر مراتب :
أحدها : الجود بالنفس ، وهو أعلى مراتبه كما قال الشاعر :
يجود بالنفس إذ ضن البخيل بها والجود بالنفس أقصى غاية الجود
الثانية : الجود بالرياسة ، وهو ثاني مراتب الجود ، فيحمل الجواد جوده على امتهان رياسته والجود بها والإيثار في قضاء حاجات الملتمس .
الثالثة : الجود براحته ورفاهيته وإجمام نفسه فيجود بها تعباً وكدّاً في مصلحة غيره ، ومن هذا جود الإنسان بنومه ولذته لمسامره كما قيل :
متيم بالندى لو قــال سائله هب لي جميع كرى عينيك لم ينم
ومعنى البيت : أن هذا الرجل كريم قد استولى عليه الكرم ، حتى لو سأله سائل وطلب منه أن يهب له جميع نومه لأعطاه سؤاله ولم ينم .
الرابعة : الجود بالعلم وبذله ، وهو من أعلى مراتب الجود ، والجود به أفضل من الجود بالمال ؛ لأن العلم أشرف من المال ، والناس في الجود به على مراتب متفاوتة ، وقد اقتضت حكمة الله وتقديره النافذ أن لا ينفع به بخيلاً أبداً ، ومن الجود به أن تبذله لمن يسألك عنه بل تطرحه عليه طرحاً ، ومن الجود بالعلم أن السائل إذا سألك عن مسألة استقصيت له جوابها ...
الخامسة : الجود بالنفع بالجاه كالشفاعة والمشي مع الرجل إلى ذي سلطان ونحوه وذلك زكاة الجاه المطالب بها العبد كما أن التعليم وبذل العلم زكاته .
السادسة : الجود بنفع البدن على اختلاف أنواعه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس يعدل بين اثنين صدقة ويعين الرجل في دابته فيحمله عليها أو يرفع له عليها متاعه صدقة ، والكلمة الطيبة صدقة ، وبكل خطوة يمشيها الرجل إلى الصلاة صدقة ، ويميط الأذى عن الطريق صدقة " متفق عليه .
السابعة : الجود بالعِرْض بأن يعفو عن كل من شتمه أو اعتابه وفي هذا الجود من سلامة الصدر ، وراحة القلب ، والتخلص من معاداة الخلق ما فيه .
الثامنة : الجود بالصبر والاحتمال والإغضاء ، وهذه مرتبة شريفة من مراتبه ، وهي أنفع لصاحبها من الجود بالمال وأعز له وأنصر وأملك لنفسه وأشرف لها ولا يقدر عليها إلا النفوس الكبار فمن صعب عليه الجود بماله ، فعليه بهذا الجود فإنه يجتني ثمرة عواقبه الحميدة في الدنيا قبل الآخرة .
التاسعة : الجود بالخُلق والبِشر والبسطة ، وهو فوق الجود بالصبر والاحتمال والعفو ، وهو الذي بلغ بصاحبه درجة الصائم القائم ، وهو أثقل ما يوضع في الميزان ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك ووجهك منبسط إليه " ، وفي هذا الجود من المنافع والمسار وأنواع المصالح ما فيه والعبد لا يمكنه أن يسع الناس بحاله ويمكنه أن يسعهم بخلقه واحتماله .
العاشرة : الجود بتركه ما في أيدي الناس عليهم فلا يلتفت إليه ولا يستشرف له بقلبه ولا يتعرض له بحاله ولا لسانه ، وهذا الذي قال عبد الله بن المبارك إنه أفضل من سخاء النفس بالبذل ، فلسان حال القدر يقول للفقير الجواد : وإن لم أعطك ما تجود به على الناس فجُد عليهم بزهدك في أموالهم وما في أيديهم تفضل عليهم وتزاحمهم في الجود وتنفرد عنهم بالراحة .
ولكل مرتبة من مراتب الجود مزيد وتأثير خاص في القلب والحال ، والله سبحانه قد ضمن المزيد للجواد والإتلاف للممسك ، والله المستعان .
" مدارج السالكين " ( 2 / 293 – 296 ) بتصرف يسير .
3. تأخير الزكاة إلى رمضان
فرض الله تعالى الزكاة على أصحاب الأموال ممن بلغت أموالهم أنصبة معينة ، والزكاة عبادة وهي ركن من أركان الدِّين ، فإذا حال الحول أو أخرجت الأرض زرعها : وجب على صاحب المال والزرع المبادرة إلى إخراج زكاة هذه الأموال ، ولا يجوز له إخراجها على دفعات وليس له أن يؤخرها إلى رمضان ولا غيره إلا أن تدعو ضرورة لذلك .
قال ابن قدامة رحمه الله :
وتجب الزكاة على الفور ، فلا يجوز تأخير إخراجها مع القدرة عليه والتمكن منه إذا لم يخش ضرراً ، وبهذا قال الشافعي ...
" المغني " ( 2 / 289 ، 290 )
سئل الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله - :
هل الزكاة تفضل في رمضان مع أنها ركن من أركان الإسلام ؟
فأجاب :
الزكاة كغيرها من أعمال الخير تكون في الزمن الفاضل أفضل ، لكن متى وجبت الزكاة وتمَّ الحوْل وجب على الإنسان أن يُخرجها ولا يؤخرها إلى رمضان ، فلو كان حوْل ماله في رجب : فإنه لا يؤخرها إلى رمضان بل يؤديها في رجب ، ولو كان يتم حولها في محرَّم فلا يؤخرها إلى رمضان ، أما إذا كان حوْل الزكاة يتم في رمضان : فإنه يُخرجها في رمضان .
" فتاوى إسلاميَّة " ( 2 / 164 ) .
[/center]
عدل سابقا من قبل HeNo في الأربعاء سبتمبر 09, 2009 3:21 pm عدل 1 مرات